فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والوجه الرابع: هب أن الفاعل يلتذ بذلك العمل، إلا أنه يبقى في إيجاب العار العظيم، والعيب الكامل بالمفعول على وجه لا يزول ذلك العيب عنه أبدًا لدهر، والعاقل لا يرضى لأجل لذة خسيسة منقضية في الحال، إيجاب العيب الدائم الباقي بالغير.
والوجه الخامس: أنه عمل يوجب استحكام العداوة بين الفاعل والمفعول، وربما يؤدي ذلك إلى إقدام المفعول على قتل الفاعل لأجل أنه ينفر طبعه عند رؤيته، أو على إيجاب إنكائه بكل طريق يقدر عليه.
أما حصول هذا العمل بين الرجل والمرأة، فإنه يوجب استحكام الألفة والمودة وحصول المصالح الكبيرة، كما قال تعالى: {خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
والوجه السادس: أنه تعالى أودع في الرحم قوة شديدة الجذب للمني فإذا واقع الرجل المرأة قوي الجذب، فلم يبق شيء من المني في المجاري إلا وينفصل.
أما إذا واقع الرجل فلم يحصل في ذلك العضو المعين من المفعول قوة جاذبة للمني، وحينئذ لا يكمل الجذب، فيبقى شيء من أجزاء المني في تلك المجاري، ولا ينفصل، ويعفن ويفسد ويتولد منه الأورام الشديدة والأسقام العظيمة وهذه فائدة لا يمكن معرفتها إلا بالقوانين الطبية، فهذه هي الوجوه الموجبة لقبح هذا العمل ورأيت بعض من كان ضعيفًا في الدين يقول: إنه تعالى قال: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} [المؤمنون: 5، المعارج: 29] وذلك يقتضي حل وطء المملوك مطلقًا سواء كان ذكرًا أو أنثى قال: ولا يمكن أن يقال أنا نخصص هذا العموم بقوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} [الشعراء: 165] وقوله: {أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين} [الأعراف: 80] قال لأن هاتين الآيتين كل واحد منهما أعم من الأخرى من وجه، وأخص من وجه، وذلك لأن المملوك قد يكون ذكرًا، وقد يكون أنثى، وأيضًا الذكر قد يكون مملوكًا، وقد لا يكون مملوكًا، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن تخصيص إحداهما بالأخرى أولى من العكس، والترجيح من هذا الجانب، لأن قوله: {إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} شرع محمد، وقصة لوط، شرع سائر الأنبياء، وشرع محمد عليه الصلاة والسلام أولى من شرع من تقدمه من الأنبياء، وأيضًا الأصل في المنافع والملاذ الحل، وأيضًا الملك مطلق للتصرف.
فقل له الاستدلال إنما يقبل في موضع الاحتمال، وقد ثبت بالتواتر الظاهر من دين محمد حرمة هذا العمل، والمبالغة في المنع منه، والاستدلال إذا وقع في مقابلة النقل المتواتر، كان باطلًا.
ثم قال تعالى حكاية عن لوط أنه قال لهم: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} والمعنى كأنه قال لهم: أنتم مسرفون في كل الأعمال، فلا يبعد منكم أيضًا إقدامكم على هذا الإسراف. اهـ.

.قال السمرقندي:

{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مّن دُونِ النساء} أي: تجامعون الرجال من دون النساء يعني: إن إتيان الرجال أشهى إليكم من إتيان النساء وقرأ أبو عمرو آيِنَّكُمْ بالمد بغير همز وقرأ ابن كثير ونافع إنَّكُمْ بهمزة واحدة بغير مد.
وقرأ الباقون بهمزتين بغير مد ومعنى ذلك كله واحد وهو الاستفهام.
ثم قال: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} أي: متعدون من الحلال إلى الحرام. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال} في أدبارهم {شَهْوَةً مِّن دُونِ النساء} يعني أدبار الرجال أشهى عندكم من فروج النساء {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} مشركون تبدّلون الحلال إلى الحرام.
قال محمد بن إسحاق: كانت لهم ثمار وقرى لم يكن في الأرض مثلها فقصدهم الناس فآذوهم فعرض لهم إبليس في صورة شيخ قال: إن عضلتم بهم كلهم أنجوتكم منهم فأبوا، فلما ألحّ الناس عليهم فعبدوهم فأصابوا غلمانًا صباحًا فأخبثوا وأستحكم فيهم ذلك.
وقال الحسن: كانوا لا ينكحون إلاّ الرجال وقال الكلبي: أوّل مَنْ عمل عمل قوم لوط إبليس الخبيث لأن بلادهم أخصبت فانتجعها أهل البلدان فتمثّل لهم إبليس في صورة شاب ثمّ دعا في دبره فنُكح في دبره ثمّ عتوا بذلك العمل فأكثر فيهم ذلك فعجّت الأرض إلى ربّها فسمعت السماء فعجّت إلى ربّها فسمع العرش فعجّ إلى ربّه فأمر الله السماء أن تحصبهم وأمر الأرض أن تخسف بهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم {إنكم} على الخبر كأنه فسر {الفاحشة}.
وقرأ ابن كثير أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة: {أإنكم} باستفهام آخر، وهذا لأن الأول استفهام عن أمر مجمل والثاني عن مفسر، إلا أن حمزة وعاصمًا قرءا بهمزتين، ولم يهمز أبو عمر وابن كثير إلا واحدة و{شهوة}: نصب على المصدر من قولك شهيت الشيء شهاه، والمعنى تدعون الغرض المقصود بالوطء وهو ابتغاء ما كتب الله من الوالد وتنفردون بالشهوة فقط، وقوله: {بل أنتم} إضراب عن الإخبار عنهم أو تقريرهم على المعصية وترك لذلك إلى الحكم عليهم بأنهم قوم قد تجاوزوا الحد وارتكبوا الحظر، والإسراف الزيادة المفسدة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أإنكم لتأتون الرجال}.
هذا استفهام إنكار.
والمسرف: المجاوز ما أُمر به. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}.
قوله تعالى: {إِنَّكُمْ} قرأ نافع وحفص على الخبر بهمزة واحدة مكسورة، تفسيرًا للفاحشة المذكورة، فلم يحسن إدخال الاستفهام عليه لأنه يقطع ما بعده مما قبله.
وقرأ الباقون بهمزتين على لفظ الاستفهام الذي معناه التوبيخ، وحسُن ذلك لأن ما قبله وبعده كلام مستقل.
واختار الأوّل أبو عبيد والكِسائي وغيرهما؛ واحتجوا بقوله عز وجل: {أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون} [الأنبياء: 34] ولم يقل أفهم.
وقال: {أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] ولم يقل أنقلبتم.
وهذا من أقبح الغلط لأنهما شبَّها شيئين بما لا يشتبهان؛ لأن الشرط وجوابه بمنزلة شيء واحد كالمبتدأ والخبر؛ فلا يجوز أن يكون فيهما استفهامان.
فلا يجوز: أفإن مِت أفهم، كما لا يجوز أزيد أمنطلق.
وقصة لوط عليه السلام فيها جملتان، فلك أن تستفهم عن كل واحدة منهما.
هذا قول الخليل وسيبويه، واختاره النحاس ومكِّي وغيرهما {شَهْوَةً} نصب على المصدر، أي تشتهونهم شهوة.
ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال.
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} نظيره {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 166] في جمعكم إلى الشرك هذه الفاحشة. اهـ.

.قال الخازن:

{أئنكم لتأتون الرجال} يعني في أدبارهم {شهوة من دون النساء} يعني في أدبار الرجال اشهى عندكم من فروج النساء {بل أنتم} يعني أيها القوم {قوم مسرفون} أي مجاوزون الحلال إلى الحرام وإنما ذمهم وعيرهم ووبخهم بهذا الفعل الخبيث لأن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان وركب فيه شهوة النكاح لبقاء النسل وعمران الدنيا وجعل النساء محلًا للشهوة وموضع النسل فإذا تركهن الإنسان وعدل عنهن إلى غيرهن من الرجال فكأنما قد أسرف وجاوز واعتدى لانه وضع الشيء في غير محله وموضعه الذي خلق له لأن أبدار الرجال ليست محلًا للولادة التي هي مقصودة بتلك الشهوة المركبة في الإنسان وكانت قصة قوم لوط، على ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره من أهل الأخبار والسير أنه كانت قرى قوم لوط مخصبة ذات زروع وثمار لم يكن في الأرض مثلها فقصدهم الناس فآذوهم وضيقوا عليهم فعرض لهم إبليس في صورة شيخ وقال لهم إذا فعلتم بهم كذا وكذا نجوتم منهم فأبوا فلما أحل الناس عليهم قصدوهم فأصابوا غلمانًا حسانًا صباحًا فأخبثوا واستحكم ذلك فيهم.
قال الحسن: كانوا لا ينكحون إلا الغرباء، وقيل: استحكم ذلك الفعل فيهم حتى نكح بعضهم بعضًا.
وقال الكلبي: إن أول من عمل به عمل قوم لوط إبليس وذلك لأن بلادهم أخصبت فقصدها أهل البلدان فتمثل لهم إبليس في صورة شاب أمرد فدعا إلى نفسه فكان أول من نكح في دبره فأمر الله تعالى السماء أن تحصبهم والأرض أن تخسف بهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون}.
هذا بيان لقوله: {أتأتون الفاحشة} وأتى هنا من قوله أتى المرأة غشيها وهو استفهام على جهة التوبيخ والإنكار، وقرأ نافع وحفص {إنكم} على الخبر المستأنف و{شهوة} مصدر في موضع الحال قاله الحوفي وابن عطية، وجوّزه الزمخشري وأبو البقاء أي مشتهين تابعين للشهوة غير ملتفتين لقبحها أو مفعول من أجله قاله الزمخشري، وبدأ به البقاء أي للاشتهاء لا حامل لكم على ذلك إلا مجرد الشهوة ولا ذم أعظم منه لأنه وصف لهم بالبهيمة وأنهم لا داعي لهم من جهة العقل كطلب النسل ونحوه و{من دون النساء} في موضع الحال أي منفردين عن النساء، وقال الحوفي: {من دون النساء} متعلّق بشهوة و{بل} هنا للخروج من قصة إلى قصة تنبىء بأنهم متجاوزو الحد في الاعتداء، وقيل إضراب عن تقريرهم وتوبيخهم والإنكار أو عن الإخبار عنهم بهذه المعصية الشنيعة إلى الحكم عليهم بالحال التي تنشأ عنها القبائح وتدعوا إلى اتّباع الشهوات وهي الإسراف وهو الزيادة المفسدة لما كانت عادتهم الإسراف أسرفوا حتى في باب قضاء الشهوة وتجاوزوا المعتاد إلى غيره ونحوه {بل أنتم قوم عادون}، وقيل إضراب عن محذوف تقديره ما عدلتم بل أنتم، وقال الكرماني بل ردّ لجواب زعموا أن يكون لهم عذر أي لا عذر لكم ولا حجّة {بل أنتم} وجاء هنا {مسرفون} باسم الفاعل ليدلّ على الثبوت ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأسماء وجاء في النمل {تجهلون} بالمضارع لتجدد الجهل فيهم ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأفعال. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال}.
خبرٌ مستأنفٌ لبيان تلك الفاحشةِ وقرئ بهمزتين صريحتين وبتليين الثانيةِ بغير مدَ وبمد أيضًا على أنه تأكيدٌ للإنكار السابقِ وتشديدٍ للتوبيخ، وفي زيادة إنّ واللامِ مزيدُ توبيخٍ وتقريعٍ، وكان ذلك أمرٌ لا يتحقق صدورُه عن أحد فيؤكد تأكيدًا قويًا، وفي إيراد لفظِ الرجالِ دون الغِلمان والمُرْدان ونحوِهما مبالغةً في التوبيخ وقوله تعالى: {شَهْوَةً} مفعول له أو مصدرٌ في موقع الحالِ، وفي التقييد بها وصفُهم بالبهيمية الصِّرْفة وتنبيهٌ على أنّ العاقلَ ينبغي له أن يكون الداعيَ له المباشرَ طلبُ الولد وبقاءُ النوعِ لا قضاءُ الشهوةِ. ويجوز أن يكون المرادُ الإنكارَ عليهم وتقريعَهم على اشتهائهم تلك الفعلةَ الخبيثةَ المكروهة كما ينبئ عنه قوله تعالى: {مّن دُونِ النساء} أي متجاوزين النساءَ اللاتي هن محلُّ الاشتهاء كما ينبئ عنه قوله تعالى: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} إضرابٌ عن الإنكار المذكورِ إلى الإخبار بحالهم التي أفضَتْهم إلى ارتكاب أمثالِها وهي اعتيادُ الإسرافِ في كل شيءٍ أو عن الإنكار عليها إلى الذم على جميع معايبِهم، أو عن محذوف أي لا عذرَ لكم فيه بل أنتم قومٌ عادتُكم الإسراف. اهـ.

.قال الألوسي:

قوله سبحانه: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال}.
يحتمل الاستئناف البياني والنحوي وهو مبين لتلك الفاحشة، والاتيان هنا بمعنى الجماع، وقرأ ابن عامر وجماعة {أَئِنَّكُمْ} بهمزتين صريحتين، ومنهم من قرأ بتليين الثانية بغير مد، ومنهم من مد وهو حينئذ تأكيد للإنكار السابق وتشديد للتوبيخ، وفي الإتيان بإن واللام مزيد تقبيح وتقريع كأن ذلك أمر لا يتحقق صدوره عن أحد فيؤكد تأكيدًا قويًا، وفي إيراد لفظ {الرجال} دون الغلمان والمردان ونحوهما كما قال شيخ الإسلام مبالغة في التوبيخ كأنه قال: لتأتون أمثالكم {شَهْوَةً} نصب على أنه مفعول له أي لأجل الاشتهاء لا غير أو على الحالية بتأويل مشتهين، وجوز أن يكون منصوبًا على المصدرية وناصبه {تأتون} لأنه بمعنى تشتهون، وفي تقييد الجماع الذي لا ينفك عن الشهوة بها إيذان بوصفهم بالبهيمية الصرفة وأن ليس غرضهم إلا قضاء الشهوة، وفيه تنبيه على أنه ينبغي للعاقل أن يكون الداعي له إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لا قضاء الشهوة، وجوز أن يكون المراد الإنكار عليهم وتقريعهم على اشتهائهم تلك الفعلة القذرة الخبيثة كما ينبئ عنه قوله تعالى: {مّن دُونِ النساء} أي متجاوزين النساء اللاتي هن محل الاشتهاء عند ذوي الطباع السليمة كما يؤذن به قوله سبحانه: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} فالجار والمجرور في موضع الحال من ضمير {تأتون}، وجوز أن يكون حالا من الرجال على ما قاله أبو البقاء أي تأتونهم منفردين عن النساء، وأن يكون في موضع الصفة لشهوة على ما قيل واستبعد تعلقه به، و{بَلِ} للإضراب وهو إضراب انتقالي عن الإنكار المذكور إلى الإخبار بما أدى إلى ذلك وهو اعتياد الإسراف في كل شيء أو إلى بيان استجماعهم للعيوب كلها.
ويحتمل أن يكون إضرابًا عن غير مذكور وهو ما توهموه من العذر في ذلك أي لا عذر لكم فيه بل أنتم قوم عادتكم الإسراف والخروج عن الحدود، وهذا في معنى ذمهم بالجهل كما في سورة النمل (55) إلا أنه عبر بالاسم هنا وبالفعل هناك لموافقة رؤوس الآي المتقدمة في كل والله تعالى أعلم بأسرار كلامه. اهـ.